حين يصمت الإنترنت… من سينقذنا؟
في عالمٍ أصبح كل شيء فيه متاحًا بضغطة زر، حيث تُدار المصانع بالروبوتات، ويُكتب المحتوى بالذكاء الاصطناعي،
وتُنجز المعاملات عبر الإنترنت، يبدو الحديث عن الحِرف اليدوية وكأنه حديث من الماضي. لكن، ماذا لو اختفى هذا
العالم الرقمي فجأة؟ من سيتدبر أمر الكهرباء؟ من سيُصلح الباب المكسور؟ من سيخيط ثوبًا أو يصنع طاولة؟
لقد غيّرت التكنولوجيا ملامح حياتنا بشكلٍ جذري، وجعلتنا نُعيد ترتيب أولوياتنا في العمل والتعلّم والمهارات. ومع
ازدياد الاعتماد على الإنترنت والأنظمة الذكية، بدأ كثيرون ينظرون إلى الحِرف اليدوية وكأنها “وظائف من الدرجة
الثانية”. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا.
الحرفة اليدوية: مهارة النجاة وليست فقط مهنة
الحِرف اليدوية لا تُمثّل مجرد مصدر دخل أو وسيلة لكسب العيش، بل هي مهارات وجودية، تمنح الإنسان
قدرة على الاستقلال والاعتماد على النفس. في حال انقطع الإنترنت، أو انهارت البنية التحتية الرقمية –
لأي سبب كان – فإن الإنسان الذي لا يعرف كيف يُصلح، أو يُنتج، أو يزرع، سيكون في وضع هش جدًا.
ماذا لو توقف الإنترنت فجأة؟
تخيل يومًا تستيقظ فيه، لتجد أن الإنترنت قد اختفى: لا شبكات تواصل، لا بريد إلكتروني، لا تطبيقات، ولا
روبوتات تُساعدك. كيف ستعمل؟ كيف ستتعلم؟ كيف ستعيش؟
الذين تعلموا حرفة يدوية سيكونون هم النواة الأولى لإعادة بناء الحياة: النجار، الحداد، الخيّاط، المزارع،
الكهربائي، وحتى الرسام. هؤلاء لن ينتظروا اتصالًا ليبدأوا العمل؛ أدواتهم في أيديهم، ومعرفتهم مخزنة
في ذاكرتهم، لا في خوادم سحابية.
لا بديل عن التوازن
لسنا ندعو إلى رفض التكنولوجيا، بل إلى الموازنة. فكما نُعلّم أبناءنا البرمجة والذكاء الاصطناعي، يجب أن
نُعلّمهم كيف يُطرّزون قميصًا، أو يُصلحون مصباحًا، أو يزرعون حديقة. هذا التوازن هو مفتاح الاستقرار في
عالمٍ لا يمكن التنبؤ به.
استثمر في مهارة لا تنقطع
إذا كنت تبحث عن الأمان الحقيقي، فابدأ الآن بتعلّم حرفة. لا تنتظر الأزمة. فالعالم الرقمي قد يُصاب بخلل،
لكن المهارات اليدوية لا تنفد، ولا تحتاج إلى تحديث، ولا تعتمد على بطارية أو إشارة إنترنت.
في الختام
في زمنٍ باتت فيه الآلة تحلّ محل الإنسان، تبقى الحرفة اليدوية صمام الأمان الذي يحفظ الكرامة والقدرة
على البقاء. فتعلم حرفة، وكن مستعدًا… فحين يصمت الإنترنت، سيعلو صوت المطرقة والمسمار.