لماذا تعترف دول أوروبية الآن بدولة فلسطين؟
في خضم الأزمات التي تعصف بالشرق الأوسط، وتحديدًا مع تفاقم المجاعة والانهيار الإنساني في قطاع غزة،
تصدّرت عناوين الصحف قرارات مفاجئة لبعض الدول الأوروبية مثل إيرلندا، إسبانيا، والنرويج بالاعتراف الرسمي
بدولة فلسطين. خطوة قوبلت بترحيب واسع من الشعوب العربية والفلسطينية، لكنها أثارت الكثير من التساؤلات:
لماذا الآن؟
ولماذا من هذه الدول دون غيرها؟
هل هي مجرد مواقف أخلاقية؟ أم أنها تعكس تحولات أعمق في السياسة الدولية؟
📌 أولاً: الواقع الإنساني في غزة ضغطٌ لا يمكن تجاهله
المشاهد القادمة من غزة: أطفال يموتون جوعًا، مستشفيات مدمرة، وحصار خانق. المجاعة هناك أصبحت
أداة إبادة جماعية حقيقية. هذه الصور أصبحت جزءًا من الرأي العام الأوروبي، وأثارت غضب الشعوب هناك،
وخصوصًا فئة الشباب والناخبين اليساريين الذين يضغطون على حكوماتهم لاتخاذ موقف واضح ضد الاحتلال
الإسرائيلي.
الضغط الشعبي هذا لا يمكن الاستهانة به، خاصةً في ديمقراطيات أوروبية تعتمد على رضا المواطنين قبل
أي شيء.
📌 ثانيًا: تآكل مصداقية الغرب أمام العالم
الغرب، وعلى رأسه أوروبا، طالما ادّعى الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية. ولكن تجاهلهم لمعاناة
الفلسطينيين، مقابل دعم غير مشروط لإسرائيل، وضعهم في موقف محرج أخلاقيًا.
لذا، قد يكون الاعتراف بفلسطين وسيلة لتعديل صورتهم أمام الشعوب العالمية، وإعادة تموضعهم
في صراع فقدوا فيه الحياد والمصداقية.
📌 ثالثًا: تغير التحالفات الدولية والتوازنات الجيوسياسية
في ظل تصاعد نفوذ الصين وروسيا، وتراجع الثقة في الدور الأمريكي، تسعى أوروبا إلى استقلالية نسبية في
سياستها الخارجية. ومن خلال الاعتراف بدولة فلسطين، ترسل بعض الدول رسالة ضمنية بأنها لم تعد أسيرة
للتوجهات الأمريكية – الإسرائيلية التقليدية.
وهنا يبرز تساؤل مهم:
هل هذا الاعتراف بداية تصدع فعلي في التحالف الغربي التقليدي حول ملف الشرق الأوسط؟
📌 رابعًا: موقف إسرائيل المتشدد أحرج حتى أقرب حلفائها
منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023، لم تُبدِ إسرائيل أي نية حقيقية لوقف النار، أو احترام القانون الدولي الإنساني،
رغم كل الوساطات. هذا العناد، والرد العنيف على أي انتقاد، جعل كثيرًا من القادة الأوروبيين يشعرون بأن
إسرائيل لم تعد شريكًا موثوقًا في عملية السلام، بل طرفًا معرقلًا.
📌 خامسًا: الاعتراف لا يعني دعمًا كاملاً، بل رسالة ضغط سياسي
رغم ما يبدو عليه الاعتراف كأنه دعم مطلق لفلسطين، إلا أنه في الواقع يُستخدم كورقة ضغط لتحريك
الجمود السياسي ودفع إسرائيل نحو قبول حل الدولتين. بعض العواصم الأوروبية تريد ببساطة أن تقول:
“إذا لم تتحركوا نحو السلام، فسنتخذ قرارات أحادية تضعكم في الزاوية.”
❓ماذا بعد الاعتراف؟ وهل هناك خطوات حقيقية قادمة؟
رغم أهمية الاعتراف الرمزي، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير بعد.
فهل ستتجرأ هذه الدول على فرض عقوبات حقيقية على إسرائيل؟
هل ستُرفع القضية الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية من قِبل هذه الحكومات؟
وهل يمكن أن يشكّل هذا الاعتراف نقطة تحول فعلية في مسار القضية بعد عقود من الجمود؟
🔚 خلاصة:
الاعتراف بدولة فلسطين من بعض الدول الأوروبية ليس مجرد رد فعل إنساني، بل تحرك محسوب يعكس
تغيّرًا في الرأي العام، وتراجع الثقة في السياسات الإسرائيلية، وتحولات أعمق في المشهد الدولي.
لكن دون خطوات عملية لاحقة، قد يبقى هذا الاعتراف مجرد ورقة سياسية رمزية لا تغير من الواقع شيئًا.