ترويقة سورية رحلة على مائدة المذاقات من دمشق لحلب
الفطور السوري: أكثر من مجرد وجبة، هو طقس يومي
في سوريا، الفطور أو “الترويقة” كما يسميها البعض، ليس مجرد وجبة لبدء اليوم؛ إنه طقس اجتماعي تتجمع حوله العائلة، فرصة للحديث وتبادل أطراف الحديث قبل الانطلاق إلى مشاغل الحياة. هو مزيج غني من النكهات، الألوان، والقيم الغذائية التي تمنح الجسم الطاقة والدفء. وتختلف مكونات هذه المائدة الشهية وتتنوع بتنوع المدن والمناطق، لتروي كل منها حكاية خاصة بها.
دمشق الفيحاء: مائدة الأصالة والتراث
في دمشق، عاصمة الياسمين، يتسم الفطور بكونه تقليدياً وأصيلاً، ويركز على الأطباق التي توارثتها الأجيال:
-
الفول المدمس: نجم المائدة الدمشقية بلا منازع. يقدم مع زيت الزيتون البكر، رشة من الكمون، وعصير الليمون، وأحياناً بلمسة من الثوم والطماطم المفرومة.
-
المسبحة والفتة: المسبحة هي حمص مطحون مع طحينة وليمون (تشبه الحمص بطحينة)، أما الفتة فتتكون من خبز محمص أو مقلي، فوقه حمص، ثم اللبن أو الطحينة والثوم، وتزين بالمكسرات والسمن أو الزيت.
-
الجبنة والمكدوس: لا تخلو مائدة من الجبن الأبيض المالح أو الجبن الحلّومي المقلي، وإلى جانبه المكدوس الدمشقي الشهير (باذنجان محشي بالجوز والفليفلة والثوم المنقوع بزيت الزيتون).
-
خبز التنور أو الخبز العربي الطازج، والخضروات الطازجة كالخيار والبندورة والنعنع، والزيتون الأخضر والأسود.
-
المربيات بأنواعها: مربى المشمش، التين، والورد الدمشقي، وهي تحف فنية بحد ذاتها.
-
الشاي الأحمر: المشروب المرافق الأساسي، يقدم في كاسات صغيرة.
حلب الشهباء: لمسة من الفخامة والعراقة
فطور حلب يتميز بلمسة من الفخامة، ويضم أطباقاً قد لا تجدها في مدن أخرى:
-
المأمونية: طبق حلبي أصيل، يتكون من سميد مطبوخ بالسكر وماء الورد، ويقدم ساخناً مزيناً بالقرفة والمكسرات والسمن، ويؤكل مع الجبن المملح.
-
الحمص باللحمة: طبق فاخر من الحمص المطحون يعلوه قطع من اللحم المفروم أو “القاورما” المقلية.
-
أطباق البيض المتنوعة: مثل بيض باللحمة، أو بيض بالسجق الحلبي الشهي.
-
الجبنة الحلبية: أنواع مميزة من الجبن الحلبي مثل “المشللة” أو “البالونة”.
-
الزيت والزعتر: الزعتر الحلبي (مزيج من الزعتر البري والسمسم والسماق) مع زيت الزيتون.
-
المخبوزات: خبز التنور أو الصمون، والكعك الحلبي.
الساحل السوري (طرطوس واللاذقية): نفحات البحر والطبيعة
فطور المدن الساحلية يتميز بالخفة والطبيعة، مع تركيز على منتجات الألبان الطازجة والزيتون:
-
اللبنة والجبنة: اللبنة البلدية الطازجة التي غالباً ما تزين بزيت الزيتون والنعناع، والجبنة البيضاء البلدية.
-
الزيتون: بأنواعه المختلفة، وخاصة الزيتون الأخضر المكبوس.
-
خبز التنور أو الخبز المرقوق: يعتبر أساساً في وجباتهم.
-
الزعتر وزيت الزيتون: مكونات أساسية لا غنى عنها.
-
العسل والمربيات المحلية: من فواكه الساحل المتنوعة.
-
البيض المقلي أو المسلوق: بطرق بسيطة.
المنطقة الوسطى (حمص وحماة): بين الأصالة والبساطة
يجمع فطور حمص وحماة بين بساطة الريف وغنى المدن:
-
الفول المدمس والحمص: أساسيان كما في دمشق، لكن قد يضاف إليهما لمسات محلية.
-
الشنكليش: كرات الجبن المجففة والمتبلة بالزعتر والفلفل، وتقدم مع زيت الزيتون والبصل والطماطم.
-
المقالي: البطاطا المقلية أو الباذنجان المقلي.
-
اللبنة والجبنة البلدية: مع الخبز الطازج.
-
المربيات والعسل.
خاتمة: الفطور السوري، لوحة فنية من النكهات
إن الفطور السوري ليس مجرد تشكيلة من الأطباق، بل هو انعكاس لثقافة غنية وكرم ضيافة أصيل. كل مدينة تضع بصمتها الخاصة، لتقدم لنا في النهاية لوحة فنية من النكهات التي تروي قصصاً عن تاريخ وحضارة سوريا العريقة. مهما اختلفت المكونات، يبقى الهدف واحداً: بداية يوم مليئة بالطاقة، الدفء، ولذة المشاركة.
